تَجْرِبَةُ يُوسُفَ فِي الِاسْتِمَاعِ قَبْلَ التَّحَدُّثِ
اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ لُغَةٌ فَرِيدَةٌ، تَمَيَّزَتْ عَبْرَ التَّارِيخِ بِبَلَاغَتِهَا وَقُوَّةِ تَعْبِيرِهَا.
وَمِنْ بَيْنِ جَمِيعِ حُرُوفِهَا، بَرَزَ حَرْفُ الضَّادِ (ض) كَرَمْزٍ لِهَذِهِ اللُّغَةِ، حَتَّى أَصْبَحَتْ تُعْرَفُ بِـ “لُغَةِ الضَّادِ”، فَهُوَ حَرْفٌ نَادِرٌ لَا يَظْهَرُ بِوُضُوحٍ فِي مُعْظَمِ اللُّغَاتِ الْأُخْرَى.
كَانَ العَرَبُ قَدِيمًا يَتَفَاخَرُونَ بِقُدْرَتِهِمْ عَلَى نُطْقِ هَذَا الْحَرْفِ،إِذِ اعْتَبَرُوهُ دَلِيلًا عَلَى الْفَصَاحَةِ وَإِتْقَانِ اللُّغَةِ.
حرفُ الضاد لهُ طَرِيقَةٍ خَاصَّةٍ فِي النُّطْقِ، حَيْثُ يَخْرُجُ الصَّوْتُ مِنْ حَافَتَيْ اللِّسَانِ (اليُمْنَى وَاليُسْرَى) مَعَ مَا يُقَابِلُهُ مِنَ الْأَضْرَاسِ وَلِثَةِ الْأَضْرَاسِ الْعُلْيَا، وَيَكُونُ طَرَفُ اللِّسَانِ(أَي: رَأْسُهُ) مُلْتَصِقًا بِأُصُولِ الثَّنَايَا الْعُلْيَا (أَي: غَيْرُ مُلْتَصِقٍ بِالثَّنَايَا، إِنَّمَا بِأُصُولِهَا، أَيْ: يُلْصِقُ طَرَفَ اللِّسَانِ بِالْمِنْطَقَةِالْمُتَعَرِّجَةِ فِي الْحَنَكِ الْأَعْلَى).
وَهَذَا الِالْتِصَاقُ يُسَبِّبُ تَقَدُّمَ اللِّسَانِ إِلَى الْأَمَامِ قَلِيلًا ثُمَّ رُجُوعَهُ إِلَى الْخَلْفِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الِاسْتِطَالَةَ.
وَهَذِهِ الِاسْتِطَالَةُ تُؤَدِّي إِلَى صِفَةٍ أُخْرَى وَهِيَ دَفْعُ الصَّوْتِ إِلَى دَاخِلِ الْفَمِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الرَّخَاوَةَ.
وَلَا يَجُوزُ فَكُّ هَذَا الِالْتِصَاقِ (أَيْ: الِالْتِصَاقُ بَيْنَ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأُصُولِ الثَّنَايَا الْعُلْيَا)، فَهُوَ أَحَدُ السِّمَاتِ الَّتِي تُمَيِّزُ نُطْقَ حَرْفِ الضَّادِ.
وَيَكُونُ أَقْصَى اللِّسَانِ مُلْتَصِقًا بِالْحَنَكِ الْأَعْلَى، وَهَذِهِ صِفَةُالِاسْتِعْلَاءِ، وَهِيَ مِنْ أَهَمِّ مَا يُمَيِّزُ نُطْقَ الضَّادِ عَنْ بَقِيَّةِ الْحُرُوفِ.
وَبِسَبَبِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، يُعَدُّ الضَّادُ مِنْ أَصْعَبِ الْأَصْوَاتِ نُطْقًا لِغَيْرِ النَّاطِقِينَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلِذَلِكَ صَارَ رَمْزًا لِلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَنَتِيجَةً لِهَذَا التَّمَيُّزِ، أَصْبَحَ الضَّادُ رَمْزًا لِلْعَرَبِيَّةِ، لُغَةِ الْأَدَبِ وَالشِّعْرِ وَالْخِطَابَةِ.
فَكَثِيرٌ مِنَ الْكَلِمَاتِ تَحْمِلُ هَذَا الْحَرْفَ، مِثْلَ: أَرْضٍ، حَضَرَ،بَيْضٍ، وَغَيْرِهَا.
وَمَعَ مُرُورِ الزَّمَنِ، وَرَغْمَ تَطَوُّرِ اللُّغَاتِ وَتَغَيُّرِ الْأَزْمِنَةِ، بَقِيَتِ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ مُحْتَفِظَةً بِلَقَبِهَا الْمُمَيَّزِ، “لُغَةُ الضَّادِ”، الَّتِي لَاتَزَالُ تَنْبِضُ بِجَمَالِهَا وَقُوَّتِهَا حَتَّى اليَوْمِ.